تعرف على حقيقة التنويم الإيحائي من خلال تعرفك على أكثر الخرافات المنتشرة حوله
هناك بعض الأوهام التي انتشرت عن أضرار التنويم الإيحائي؛ نجد 21 خرافة أو وهم منتشر عالميا حول التنويم الإيحائي
ليس من المستغرب أن يتوهم الناس بعض الأضرار وأن تنتابهم بعض المخاوف من التنويم الإيحائي في ظل ما يقدم في الأفلام السينمائية عنه؛ فقد تقدم بعض الأفلام إمكانية التأثير على شخص ما وسلب إرادته أو إجباره على الإتيان بأفعال خارجة عن الأخلاق أو القانون مثلا أو على الأقل أن يقوم بأفعال علي غير إرادة منه، ومما لاشك فيه أن التنويم المسرحي أو الاستعراضي قد ساهم أيضا في في زرع هذة الأوهام؛ فقد يتصور الناس أن ممارس التنويم يقوم بتحريضهم على فعل أشياء لا يرتضونها كتقليد صوت دجاجة أو تقليد خطوات الحصان !! [1]
ومن المثير للدهشة أيضا ما تقدمه بعض الوثائقيات عن صورة غير حقيقية على أن التنويم الإيحائي حل سحري ومعجز يثير حفيظة الناس فيتخيلونه نوع من السحر أو إتصال بقوى ما، وهذا غير حقيقي وقد يرجع إلي أن تلك الوثائقيات قدمت تفخيما للصورة دون أن تشرح آلية الفعل أو توضح كيف يعمل التنويم الإيحائي أو فيما يمكننا أن نستخدمه .
لذا ظل التنويم الإيحائي كتقنية يشوبها الكثير من الغموض والأوهام في حين أنه تقنية مر علي نشأتها أكثر من مائتي عام !
وهذا ما دفع باحثون من جامعة بينغهامتون وكلية الطب بجامعة هارفارد وجامعة ولاية أوهايو بتقديم ورقة بحثية مطولة [2] تحصر الأوهام المشتركة بين الناس في 21 خرافة وتقوم بالرد عليها من خلال الدراسات والتجارب البحثية المقدمة حول كل خرافة منهم .
وقام الباحثون بنشر تلك الورقة البحثية في مجلة علم النفس المعرفي التطبيقي عام 2020 وبدورنا في منصة هيبنوفايبس قمنا بترجمتها وتلخيصها لقراءنا بهدف نشر المعلومات الصحيحة والدقيقة ولتسليط الضوء على إجابات لأكثر تساؤلات متابعينا، كما نرغب في إيصال القيمة الكامنة وراء التنويم بالايحاء لتعم الفائدة، كما نأمل أيضا أن يؤدي نشرنا إلى تشجيع الأطباء والمعالجين النفسيين إلى دمج التنويم الإيحائي مع التداخلات العلاجية والنفسية، وتحفيز الباحثين الراغبين في دراسة التنويم الإيحائي والتعرف على تقنياته وأدواته [2]
خرافات وأوهام حول التنويم الإيحائي :
- التنويم الإيحائي غير مفيد ..
ينظر البعض إلى التنويم الإيحائي باعتباره شئ عديم الفائدة أو أنه مجرد عملية إسترخاء، لكن بمراجعة الأبحاث والتجارب الإكلينيكية والتجارب المقارنة فقد ثبت تحقيق نتائج أفضل في علاج بعض الأمراض عندما أضيف التنويم الإيحائي إلى البرامج العلاجية، ومنها :
متلازمة التعب المزمن ومتلازمة القولون العصبي وبعض الاضطرابات النفسجسمية، وكذلك التخفيف من الغثيان و القيء لدى المرضى المعرضين للعلاج الكيميائي، وأيضا علاج الخوف من إبر الحقن لدى الأطفال .
كما تحققت نتائج أفضل وأسرع في علاج الاكتئاب والقلق بدمج العلاج السلوكي المعرفي وتعزيزه بالتنويم الإيحائي .
- التنويم الايحائي علاج قائم بذاته ..
ينظر البعض للتنويم الإيحائي على أنه علاج قائم بذاته، والحقيقة أنه تقنية دعم نفسي يمكن إضافتها أو دمجها جنبا إلى جنب مع العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الدينامي وقد أثبتت التجارب فعالية أكبر ونتائج أسرع في علاج السمنة وعلاج القلق والاكتئاب .
- بعض الأشخاص غير قابلين للتنويم ..
هناك مفهوم خاطئ لدى البعض أن بعض الأشخاص غير قابلين للتنويم وهذا التوهم قائم على الظن بأن التنويم هو حالة من الإغماء أو فقدان الوعي التام أثناء جلسة التنويم .
والصحيح أن الاستجابة والقابلية للتنويم تختلف من إنسان لآخر فبعض الناس لديهم قابلية أعلى والبعض لديه قابلية منخفضة للاقتراحات المحرضة للدخول في حالة التنويم .
- قابلية التأثير خلال التنويم الإيحائي مختلفة تماما عن التأثير بدون تنويم إيحائي ..
خلال عملية التنويم الإيحائي يقوم الممارس بتلقين بعض الاقتراحات والتصورات الذهنية للمستفيد، وهذه الاقتراحات والتصورات يمكن تلقينها أيضا وإحداث أثرها بدون تنويم، لكن من خلال التجارب يتبين أن الفارق يكمن فقط في درجة الاستجابة والتي تكون أعلى في حالة التنويم الإيحائي عن غيرها .
- يرتبط التنويم الإيحائي بالزيادة الكبيرة في درجة القابلية للإيحاء ..
تشير الدراسات إلى أن القابلية للإيحاء والاقتناع بالإقتراحات اللفظية المقدمة من قبل المعالج إضافة إلى الدافع والحافز عند المستفيد من تلقي الاقتراح في غير حالة التنويم، تعتبر الأساس في عملية التنويم الإيحائي وتمثل أكثر من ثلثي العملية العلاجية .
فهنا يعتبر الفارق ليس في قابلية الفرد للتنويم العالية أو المنخفضة، ولكن الفارق الجوهري هو مدى قناعته في الإقتراحات اللفظية التي تخدم الهدف المطلوب إحداثه من خلال جلسة التنويم بالايحاء، وهذا ما يحدد نجاح وتأثير الجلسة .
- دخول الأشخاص في حالة التنويم الإيحائي تحدث من تلقاء أنفسهم ..
كما ذكرنا سابقا فإن إستجابة كل فرد للدخول في حالة التنويم الايحائي متباينة، كما يصور بعض الباحثين إلى أنه من الممكن للأفراد ذوي القابلية العالية للتنويم أن يدخلون في حالة تنويمية بدون تلقي اقتراحات تنويمية .
لكن من خلال البحث تبين أن هذا يرد فقط من خلال تقرير ورصد الأفراد لتجاربهم، ولكن يؤكد أيضا إلى أن الاستجابة السلوكية التابعة للاقتراحات تكون أعلي عندما يتم تلقينها في حالة تنويم عميقة .
- ترتبط النتيجة المحدثة من عملية التنويم الإيحائي ارتباطا وثيقا بمدى القابلية للتنويم ..
قد يظن البعض أن مدى القابلية للإيحاء هي التى تُحدث النتيجة من جلسة التنويم، لكن الأثر الناتج من الجلسات ينتج من قابلية الأفراد لمحتوى الإقتراحات، كما أن الدراسات تثبت عدم وجود سمات شخصية مرتبطة بـ القابلية للإيحاء باستثناء تلك السمات المرتبطة بالميل إلى التخيل أو التفاعل مع أحداث فيلم سينمائي على سبيل المثال.
ومنه نخلص إلى أنه لا يوجد ارتباط بين مدى القابلية للإيحاء ( إن وجدت) وبين الأثر والنتيجة المرجوة من جلسة التنويم الإيحائي .
- الاستجابة للإقتراحات لا تعكس سوى تظاهر الفرد أنه تحت تأثير التنويم ..
تخلص الدراسات التي اعتمدت على التصوير العصبي إلى ظهور نشاطا عصبيا في الدماغ في المناطق الخاصة بتلقي الإقتراحات، كمناطق المعالجة البصرية أثناء التصوير وفي أماكن الإدراك أثناء الاستماع للاقتراحات الموجهة على سبيل المثال، وهذا ما يشير إلى أن الاستجابات فعلية وحقيقية أثناء الدخول في حالة التنويم .
- من المستحيل تغيير القابلية للتنويم الإيحائي ..
تفيد الدراسات إلى وجود تحسن وزيادة في القابلية للتنويم من خلال تدريب الأفراد لتطوير مدى القابلية للإيحاء عن طريق زيادة التحفيز والتوقعات الإيجابية وأيضا من خلال تبديد الخرافات والتصورات الخاطئة عن التنويم، واستخدام استراتيجيات تخيلية موجهة .
وبناءا عليه فإنه من الممكن تعزيز القابلية للإيحاء بالتدريب عليها .
- يحتاج المعالج إلى قدرات غير عادية لإحداث استجابة عالية ..
تعد هذه أشهر المفاهيم الخاطئة عن معالج التنويم الإيحائي؛ فالتصور بأن المعالج لديه قدرات سحرية أو فوق طبيعية قد يخيف البعض من تجربة التنويم الإيحائي أو إحجام الآخرين عن دراسته .
وفي الواقع فإن ممارس التنويم الإيحائي لا يحتاج إلى قدرات خاصة، بل كل ما يحتاجه هو مهارات التواصل الودية مع الأفراد وبعض مهارات التفاعل الاجتماعي التي يحتاجها أي مقدم خدمة، هذا إلى جانب تعليمه وتدريبه على كيفية عمل الجلسات وإجراؤها .
- بعض الإجراءات التنويمية أكثر فاعلية من غيرها ..
لا تختلف الاستجابة الاقتراحات العلاجية بإختلاف الطريقة التي أحدث بها التنويم؛ وتعدد طرق الدخول في حالة التنويم العميقة لا يؤثر على الاستجابة للاقتراحات .
- التنويم يقلل أو يزيد الوعي بالمحيط ..
تتباين الاستجابات لدى الأفراد فمنهم من يضع تركيزه بشكل كبير على كلمات المعالج ما يجعله يتغاضى عن تركيزه مع المحيط أثناء سير الجلسة، ومنهم من يعي تمام الوعي بكل ما يحدث بمحيطه إلى جانب تركيزه على الإقتراحات.
- تركيز الانتباه على الحالة التنويمية هو جوهر التنويم الإيحائي .
تستخدم فكرة تركيز الانتباه ل وصف وتعريف عملية التنويم الإيحائي ولكنها ليست جوهر الاستجابة للاقتراحات؛ فالإقتراح يعمل أيضا في غير حالة التنويم إذا اقتنع به الفرد ولكن من الممكن أن يصبح أثره أكبر في حالة التنويم، كما أن الفرد في حالة التنويم الإيحائي يمكنه التركيز مع ما يحيط به من أصوات وحركات جنبا إلي جنب مع صوت المعالج أثناء الجلسة .
- يكمن التأثير الناتج عن التنويم من الاسترخاء فقط ..
يعد الاسترخاء عامل مساعد إلى جانب الموافقة على الاقتراحات والرغبة في إحداث تغيير من خلال الجلسة
- التنويم الإيحائي حالة تشبه النوم ..
تنفي الدراسات وجود تشابه بين حالة النوم والحالة التنويمية حيث يظل المستفيد يقظا منتبها للاقتراحات والمحيط الخارجي، وقد يكون هذا التصور الخاطيء نتاج رؤية الشخص مسترخيا على الكرسي و مغمضا عينيه .
- تتشابه تقنية التنويم الإيحائي مع تقنية اليقظة الذهنية (mindfulness) ..
قد تتشابه التقنيتين في الحالة الإسترخائية، لكنها تختلف في أن اليقظة الذهنية تتطلب مراقبة الأفكار والمشاعر وتقبلها بينما يقوم التنويم على تلقي الاقتراحات وتوجيه النشاط العقلي نحوها لإحداث التغيير المطلوب في السلوك أو الأفكار .
- توجد علامات موثقة لحالة التنويم الإيحائي ..
لم تشر الأبحاث إلى وجود علامات يمكن قياسها لدرجة التنويم، وإن كان هناك إشارات طفيفة غير معممة مثل حركة العين أو الآليات العصبية عند سماع الإقتراحات .
- يمكن التأثير في اختيارات الشخص بصورة لا إرادية أثناء دخوله في حالة التنويم الإيحائي ..
تعد فكرة سلب الإرادة من أشهر الأوهام الشعبية المنتشرة عن التنويم الإيحائي، لكن من واقع الدراسات فلا يمكن تحريض الشخص على اختيار استجابات غير معتادة أو تخالف قناعاته أثناء كونه في حالة تنويم .
- لا يستطيع الإنسان مقاومة أو رفض الاقتراحات التنويمية ..
لا يمكن تصور أن الإنسان سيصبح مثل الروبوت ينفذ ما يطلب منه، وبالفعل قد أقرت الأبحاث هذا على مجموعة من المتطوعين فهم قادرون على التحكم في إرادتهم، كما أمكنهم معارضة الإقتراحات غير الملائمة لهم ورفضها بشكل مباشر، ويمكن أيضا بمنتهى البساطة فتح العينين وإنهاء الجلسة .
- يمكن للتنويم تنشيط الذكريات بشكل دقيق وموثوق ..
على الرغم من وجود زيادة في دقة الذكريات في بعض الأحيان إلا أنه يوجد الكثير من الذكريات الزائفة أو المحرفة كونها تكون محملة بمشاعر شخصية تجاه الحدث المسترجع .
- يساعد الإسترجاع بالعمر في إستعادة الذكريات البعيدة جدا كذكريات الجنين أو الطفل الأقل من عمر تكون الذاكرة ..
كما سبق فقد أشارت النتائج إلى عدم دقة الذكريات حيث تعكس بعض التصورات الذهنية والأوهام في فترة عمرية ما .
وفي الختام بعد أن عرضنا إلى أشهر الخرافات عن التنويم الإيحائي والتي قد يكون قد نتج عنها تراجع الإهتمام بالبحث العلمي عربيا أو إلى عدم أخذه جديا باعتباره أحد التدخلات العلاجية ووسيلة لدراسة السلوك البشري، نأمل في أن يزيد الإهتمام بالعمل العيادي على التنويم الإيحائي ودمجه مع العلاجات النفسية وأيضا دراسته دراسة قائمة على الأدلة العلمية كي تعم الفوائد المتعددة له .