أمرٌ عظيمٌ جدًّا لكنه يعطيك أملًا عظيمًا جدًّا.. عملية الفِطام!
يبكى رضيع لأنه يحتاج أن يشرب حليبًا، وفجأة يتذوق طعم الشيكولاتة وينسى تمامًا اللبن.. يكتشف أن هناك احتمالات أفضل كثيرًا موجودة فى الدنيا، لكنه كان يختصرها فى فكرة أن “اللبن هو الطعام الوحيد”.
ويكتشف بعد حين أن الفِطام لا يفطه عن اللبن فقط.. فهو يكبر ويرشد ويكتشف أن حياته بالكامل هى عملية فِطام مستمر ومتتالٍ..
فطام عن الحبل السرى، فيبدأ فى البكاء إلى أن يرى النور، حينها يسكت فيبتسم ويضحك بصوت يسر السامعين، وكأنه قد علم أمرًا ما وقد سعد به. ويكتشف أن هناك حياة أكبر من الرحم، ثم فطام لبن الأم، وعن صديق الطفولة، وعن أصحابه فى المدرسة، وعن الجامعة، وعن حبيبته الأولى، وعن والدته نفسها التى كان متعلقًا بها. ويكبر أكثر وأكثر كى تستمر عملية الفِطام.
والمدهش أن كل مرة يُفطم فيها وينفصل عن شىء كان يحبه، يتألم ويتذكر للحظات: “لن أستطيع أن أعيش دون الحليب”، أو بمعنى آخر “لن أستطيع أن أعيش دون الشيء الذى مُجبرٌ أنا لأنفصل عنه”..
يمكن أن يتم الفطام بالإرادة، مثل أن ينفصل أحدٌ فن آخر، أو أن يتوقف عن التدخين كعادة. أو أن يتم الفطام بشكل لا إرادى، وبسبب ظروف دنيوية أو أوامر ربانية.. والجميل فى الموضوع أن كل من يُفطموا يصلون لنفس النتيجة بعد ذلك؛ “مممم هناك الأفضل الذى لم أكن أعرفه!”.
وينسون تمامًا الببرونة، ينسون تمامًا الشىء الذى كانوا متعلقين به وبشدة، وكانوا يظنون أنهم لن يقدروا العيش دونه.
كل انفصال هو فِطام.. وكل فطام يليه شيكولاتة أو (حياة أفضل، احتمالات أحسن واكتشافات أفضل كثيرًا)، سيجعلك تكتشف فى كل مرة أنك بالفطام أفضل..
وفى النهاية نفطم عن الحياة.. نتألم عندما نعلم أننا سنموت أو أن حدًا نعرفه قد مات. لكن ما الموت إلا مجرد فطام آخر وأخير يصل بنا لاحتمالٍ أجمل سيجعلنا ننسى الدنيا وما فيها، ونكتشف أيضًّا أنه كان أجمل أمر قد حدث لنا..
فيا صديقى العزيز، استمتع بالحليب مثلما تريد، وتذكّر دائمًا أن لا شىء يُقارن بطعم النوتيلا.. اعرف يا صديقى أنك فى البداية ستتألم.. لكن وقتها قُل لنفسك: “لا مشكلة أنا معتاد على ذلك!”، واستعد يا عزيزي لحياة أجمل ستبدأها ببكاء وستسكت فتبتسم وتضحك..
ويومكم أجمل من يومى..
