في تحليل مؤسس مدرسة التحليل النفسي سيجموند فرويد للشخصية اتخذ من العقل اللاواعي كمخزن للمشاعر والمحفزات والذكريات التي تقع خارج نطاق الوعي .
ولكن أرجع فرويد محتوى اللاوعي إلى مشاعر غير مقبولة لا أكثر؛ فقد قال إن هذه الذكريات تؤدي إلى صراعات داخلية مسببة للقلق وتؤثر سلبا على السلوك .
كما أعتقد فرويد أن العديد من مشاعرنا ورغباتنا يتم كبتها و تنحيتها عن نطاق وعينا ونكبتها في ما يسمى باللاوعي، مما يسبب الغضب والسلوكيات القهرية والتي تعبر عن نفسها من خلال الأحلام وزلات اللسان، ولم يكن فرويد أول من أشار إلى فكرة اللاوعي فقد سبقه في ذلك ويليام جيمس وفونت لكن فرويد هو من أبرز الفكرة وجعلها محور طريقة التحليل النفسي .
كما لحقه في ذلك كارل يونج مع المخالفة الجزئية لأطروحته ؛ فقال بأن اللاوعي هو ما يشكل شخصياتنا وهو يتكون من الذكريات والمحفزات أيضا مضيفا فكرة اللاوعي الجمعي بما يحويه من ذكريات أسلافنا الموروثة والمشتركة بين جميع البشر .
وبينما رُفضت فكرة فرويد و وجهت لها الانتقادات التي من أبرزها : إن الدراسات تمت على المرضى دون غيرهم من الأسوياء.
وطرحت مدرسة علم النفس السلوكي فكرتها عن تكوين الشخصية أن ما قد يكونها هو النزعة السلوكية مضاف إليها البيئة الخارجية وهما ما قد يتدخل في اختياراته وسلوكه .
وأضافت هنا المدرسة المعرفية هذا الجانب المعرفي لدى الإنسان وكيفية وعيه ومعالجته للأحداث.
أما علم النفس الحديث فقد اتخذ من كل مدرسة أفضل ما توصلت إليه محاولة أن تقدم صورة كاملة عن اللاوعي البشري،،
فيكشف بحثا [1]
أن العديد من العمليات العاطفية والتحفيزية والسلوكية المهمة تعمل بلا وعي من الشخص (وفقا لما قال به فرويد)، وأنها غالبا ما تنجم كاستجابة ناتجة عن مثير ما كالأحداث والأشخاص والمواقف والمحفزات الخارجية ( وفقا للمدرسة السلوكية) لكن هذه المحفزات تؤثر تلقائيا وتتخذ نشاطها وفقا للجانب المعرفي لدى الإنسان وكيفية معالجته لتلك الأحداث ( وفقا للمدرسة المعرفية )
فتقوم هذه الدراسة الحديثة علي دراسة البشر العاديين ( الأسوياء )وقياس ردود أفعالهم في الحياة اليومية، وليس الحالات المرضية أو على التجارب الحيوانية،،
واستنتجت الدراسة بأنه هناك مصادر مختلفة للتأثير اللاواعي على الاختيارات والسلوك وأيضا تتولد من ذات العقل الذي يولد التأثيرات اللاواعية، وهذا ما تؤكده أيضا الدراسات القائمة على التصوير العصبي للمخ والتي أظهرت أن نفس المناطق التي تتفاعل مع الأحداث الخارجية بصورة واعية هي أيضا التي تتفاعل بشكل تلقائي أو لا واعيا .
نستخلص من هذا إذن إن العقل ومناطق الدماغ قادرة على العمل بالصورتين الواعية واللاواعية ( ونشير هنا إلى كيفية عمل الاقتراحات التنويمية كما سنوضح ).
وأن التأثير اللاواعي يأتي من الماضي والحاضر والمستقبل [2]
فماضي الشخص وتجارب طفولته التي لا يذكرها تؤثر في خياراته وبناء علاقاته، فإما أن تكون سوية وإما أن تحمل صدمات الماضي مؤثرات سلبية على خياراته،
كما أن حاضره من الممكن أن يؤثر أيضا على سلوكه وبعض خياراته، ويتضح هذا وعلى سبيل المثال في تأثر بعضنا بأشخاص قد لا نعرفهم شخصيا و نشاهدهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ فنشاهد صورهم والأماكن الترفيهية التي يرتادونها فنتخذ بدورنا خيارات مشابهة لخياراتهم.
أما المستقبل فعقولنا قادرة علي السفر عبر الزمن و تصوره وتخيله كحقيقة معاشة الآن، كما أنك لو تخيلت أو قررت هدفا مستقبليا فإنه يتحكم لا واعيا في خياراتك القادمة وسلوكياتك الحالية بما يتفق مع تحقيق هذا الهدف، فإن أهدافنا المهمة قادرة على العمل في الخلفية بصورة لاواعية بينما عقلنا الواعي في مكان وزمان آني .
وهذا ما قد يوضح كيف تعمل الاقتراحات التنويمية والتصورات الذهنية للمستقبل أثناء جلسة التنويم الإيحائي الخاصة بتحقيق أهداف المستقبل .
هل يعمل الاقتراح التنويمي معي؟
هذا السؤال الذي يطرحه الكثيرون حينما يتعلق الأمر بالعلاج أو الدعم عن طريق التنويم الإيحائي، وللإجابة على هذا التساؤل يجب أن نفرق بين الاقتراحات المتعلقة بالدخول لحالة التنويم والاقتراحات الخاصة بهدف الجلسة العلاجي ،،
الاقتراحات المتعلقة بالدخول لحالة التنويم تؤدي دورها في إحداث الحالة مع اختلاف درجتها ومدى عمقها تبعا لقابلية كل فرد للإيحاء وهذا ما يظهره تصوير نشاط المخ أثناء إحداث التنويم والتغيير من حالة بيتا إلى حالة ألفا .
وعندما تصبح في هذه الحالة يكون العقل أكثر انفتاحا لتقبل الاقتراحات التي يلقيها المعالج أو الممارس المُدرب على استخدام الكلمات واختيار الألفاظ والأنماط الملائمة للاقتراحات الخاصة بهدف الجلسة، و صياغتها بإيجابية وبصورة تتفق مع قناعاتك ولا تعارض قيمك؛ كما يستخدم أيضا التصورات والتخيلات .
وهذا أيضا يظهر في تصوير نشاطات العقل وبخاصة نشاط الفص الجبهي كما أظهرته الدراسات [3]
ومنه فكما أوضحنا بإيجاز سريع عن كيف تعمل الاقتراحات التنويمية أو بمعنى أدق كيفية عمل العقل بالطريقة الواعية واللاواعية فإن الاقتراحات تعمل في أثناء التنويم وفي غيره من أنماط التدخل العلاجي مع كافة البشر لكنها قد تكون عميقة الأثر في حالة التنويم الإيحائي وهذا يعتمد على :
*- مدى الاستعداد للدخول في حالة التنويم وتقبلها.
*- رغبتك في تحقيق هدفك.
*-ثقتك في المعالج.
ونورد في مقالات تالية مدى تأثير الاقتراحات التنويمية أثناء الجلسات على العديد من الأعراض النفسية والآلام الجسمانية و أيضا على جوانب سلوكية كالإقلاع عن التدخين وغيره من خلال تجارب ودراسات بحثية.
قام بكتابته ممارس التنويم الإيحائي : مجدي فوده، لصالح منصة هيبنوفايبس