لماذا ندعوا الله؟

هل سألت نفسك يومًا: هل أدعو الله كى يستجيب؟ أم أن هناك سببًا آخر؟

خذ نفَسًا عميقًا هادئًا لأننى سأتطرق لأمر هنا يمكن أن يكون موضع جدال، ويحتاج منك أن تتفهم جيّدًا لأنه سيفيدك على الأغلب..

منذ آلاف السنين والإنسان يعبد إلهًا.. فهل هو يعبد الإله لأنه مؤمن بإله، أم أن ما يحتاجه أن يؤمن بإله؟ وهل الإيمان تطوعى أم لا؟  ولأن هذا الكلام يحدث فى النفس ثقلًا، فسأخبركم جزءًا مما وصلت إليه..

كان يشغل هذا الموضوع بالى منذ فترة، وبدأت التفكير فيه من بدايات تعلق سمعى للشيخ محمود المصرى فى جامع حلمية الزيتون، وهو يدعو الله بقوة أن يخسف باليهود ويرنا فيهم آية.. وبالتدريج بدأت أقرا عن الموضوع أكتر وفهمت الآتى؛

أن الله عز وجل قال في كتابه الكريم “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”

أريدك أن تركز على أكثر من شيئ هنا:

أولًا إذا سألك أحد ما من انت، فكيف ستعبر عن هويتك؟

ستقول له: أنا فلان الفلانى، أعمل كذا كذا.. لكن فى هذه الآية الكريمة بالذذات، فإن الله تعالى يوجّه نبيَّنا الكريم ويقول له إن يسألوك عنى، فقل لهم: “أنا قريب”.. وهذه هى صفة، كأنك تسألنى: مَنْ فلان؟ فأقول لك: إنه شخص رائع..

فالجزء الأول الخاص بوصف الله عز وجل ذاته بـ “قريب”، وبعدها يقول: “أجيب دعوة الداع.. .”

حسنًا، الآن ركز معى فيما هو قادم لأن تُبنى عليه المفاجأة كلها!

يرتاح الإنسان عندما يدعو الله تعالى، هل تعلم لماذا؟

 (أعتذر لو غضبت منى) لكن بنسبة كبيرة، فإن راحة الإنسان التى يشعر بها بعد دعوة صادقة، تأتى بسبب إلقاء الإنسان المسئولية من على كاهله وإرجاعها للإله.. فمثلًا، بدلًا من أقول “لا أجد عملًا”، سأقول: “ياااارب أجد عملًا”. وهنا لما سأرتاح؟ لأن المشكلة لم تعد مشكلتي، وإنما هى “قضاء وقدر” أو “في علم الله”.. إلخ..

فسبب كبير لاتجاه الناس للدعوة وراحتهم بعد دعوة، هو ما معناه: “أنا لستُ مسئولًا عن الظروف، وأدعو الله أن يكتب لى الخير”.

(انظروا هنا إلى هذا الأمر) إذا تم ما أردته، فإن “الحمد لله”. وإن حدث ما لم أرده، فـ “وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم”. وإن تم ما أردته ولكن ضاع منى أو فشل بعد ذلك، فـ “وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌّ لكم”. وإذا بم يتم ما أردته، فـ “ومن يصبر يجعل الله له مخرجًا”. وإن حصل فورًا ما أردته، فـ “الله أكبر اللهم لك الحمد!”. وإذا تأخر، “فصبرٌ جميل”. وإن تأذيتُ، فإن الرسول صل الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) – حديث شريف..

فهل تفهمنى يا أستاذ؟

إن الدعوة هي طريقة الإنسان للتملص من مسئوليته.

حسنًا يا نهاد، هل أنت بذلك تشكك فى استقبال الدعوة؟

سأقول لك: لا يا حسين، ولكني أحاول أن أُفْهِمَكَ أن الدعوة في حد ذاتها مفيدة نفسيًّا ومعنويًّا. بل إن هناك بعض الجلسات أطلب فيها من العميل أن يدعو لمتوفَّى يعرفه مثلًا، ويتخيل أن دعوته تمت استجابتها، ليس لأننى شيخ أو بلغت من الفهم الدينى ما يؤهلنى، بل لأننى أدرك تأثير الدعوة على الحالة النفسية للعالم..

فإن فطرة الإنسان هى دومًا على الإيمان. فليس على الدوام أن يكون هذا الإيمان بدعوة أنه رأى معجزات، ولكن لأنه يحتاج لأن يؤمن، لأنه خائف من الكفر. فالإيمان أسهل من الكفر.

على مستوى البشر، فمثلًا؛ أم لديها ابن يضرب إخوته البنات، لكن من داخلها تقول “لكنه من داخله طيب”. أو امرأة تعانى من إهانة زوجها لها، لكنها تقول: “هو  مضغوط فى الشغل لكنه يحبنى”. فإن تصديقها بشىء ليس مرئيًّا لهو أسهل كثيرًا  وأفضل مليون مرة بالنسبة لها من أن تقول: “يهيننى زوجى لأنه توقف عن أن يحبنى”. وهنا وهنا يكون التصديق والايمان تطوعى. بمعنى أن تعلن عن نفسك مؤمنًا لأن الايمان هنا أفضل بالنسبة لك من أن تتحمل حملًا نفسيًّا لن تقدر عليه!

طيب نهاد، أنت ماذا تريد منى حقًّا يا رجل؟!!  

أنا أريدك أن تدعو الله.

ولكنك قلت بنفسك أن الدعوة تعنى أننى خائف وبها أهرب من المسئولية!

لا بالعكس، ادعو الله، لأنها يأتى منها راحة نفسية ومنها قرب من الله.

إذًا، ماذا قصدت من هذا المقال؟

قصدت أن تدعو وفى نفس الوقت أن تنتبه فى دعوتك. فإن الناس قاب قوسين أو أدنى من أنهم يلجأوا للتماثيل لو أرادوا أن ينجبوا مثلًا، أو أن يعبدوا الشجر لو عبادتها ستريحهم. ادعو الله لكن أن تدعوه بشكلٍ صحيح، حتى لا تكون دعوتك مشكوك فيها..

كيف؟

ببساطة.. أكمل الآية.. ” فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”..

لا إيمان بدون استجابة.. وهنا فى الآية الكريمة، فإن الاستجابة سبقت الإيمان، استجابة غير مشروطة لأمر الله عز وجل خلقت الإيمان. وذلك قد نسف كل الأفكار العلمانية التى يقول صاحبها: “أنا مؤمن بالله لكن لا أصلى”. أو “أنا أحتسى الخمر لكنى مؤمن بالله”.

 لا يا سيدى، كىْ تتأكد أنك مؤمن، انظر لأعمالك، لأنها الفيصل الوحيد لصحة إيمانك، فأعمالك =(تساوى) الاستجابة لله عز وجل؟

جميل! وبعدها سيليه الإيمان، لكن إيمان مع العمل.

ختامًا. أكمل الآية الكريمة.. استجابة > يليها > إيمان > وماذا يليه؟ هدى ورشد.. فأفضل دعوة هى التى ستدعو بها، عندما تستجيب لأوامر الله، ويدخل الإيمان قلبك، ساعتها ستدعو وتهتدى..

وتذكّر …

}قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{..

(ولكن قولوا أسلمنا) أى: استسلمنا خوفًا من القتل والسباء. فهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، ولم يحصل لهم بعد ، فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد ، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا ، كما ذكر المنافقون في سورة براءة . وإنما قيل لهؤلاء تأديبا : ( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) أى: لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد..

جلسات سُجلت في استوديوهات هيبنوفايبس
يُشرف على كتابة وتسجيل الجلسات متخصصين في مجال العلاج النفسي
إنضم إلى هيبنوفايبس الآلاف من العملاء
خدمة عملاء مستقرة وقوية ودوما مستعدة